علي أنـوزلا و الفاتورة
قضية أنوزلا لا تستحق طرح التساؤلات حول تنزيل
مقتضيات الدستور و استعراض المواد الدستورية المتعلقة بحرية التعبير و الرأي و
الحق في المعلومة، كما أنه لا مجال لمناقشة إشكالية المحاكمة و الخروقات التي شابت
مسطرة المتابعة، أو طرح التساؤلات المتعلقة بالتكييف القانوني والقانون الواجب تطبيقه: هل قانون الصحافة أم
قانون الإرهاب؟ و لا حتى مناقشة محتوى الشريط التي قد تجرك لتساؤلات أعمق تهم
معدلات الفقر، البطالة، بقاء البلاد بدون حكومة لمدة قياسية، الارتفاع المتزايد في
الأسعار، ألا تشكل كل هذه الأمور تهديدات لاستقرار البلاد؟
الأمر
اليوم لا يعدو أن يكون مجرد تجديد في الوسائل للخروج من روتين التهم التقليدية التي تلفق
للأقلام الصحفية المزعجة فاللائحة معروفة و هي تضم العمالة، المخدرات، شيك بدون
رصيد، إهانة موظف، الشذوذ، الخيانة الزوجية...لكن الإشكال هو المنطق المخزني الذي
لايزال متشبثا بنفس المنطق ضد معارضيه. منطق تصفية الحسابات أي أداء
"الفاتورة" و فاتورة علي أنوزلا تحمل حسابات كثيرة لعل أهمها حساب فضيحة
العفو، حساب الترجمة، حساب بعثة المينورسو... عندما تتشبث بهذا المنطق فإنك لا
تملك الحق في نعث المنتقدين بالتشاؤم و تبخيس الإنجازات، كما أنك لا تملك الحق بمطالبتهم باستعمال نظارات
وردية.
بالإضافة إلى هذا الإشكال، نجد واقع السلطة
الرابعة اليوم الذي يمكن تلخيصه في قصة اللصوص الذين سرقوا مجموعة كبيرة من
البيوت، وعندما انتهوا من العملية طلب أحدهم أن يقوموا بعد ما سرقوه فقال له لص
آخر: استرح يا غبي غدا نقرأ ذلك في الصحف. هذه القصة تختزل الواقع المرير الذي
تعيشه السلطة الرابعة في بلادنا، حيث اصطفت الكثير من الأقلام في خانة العد و
الحساب ونقل الحصيلة. قليلون هم من رفضوا تلك الخانة البئيسة باحثين عن الإجابة عن
الأسئلة الصعبة التي تبدأ بمن وكيف و لماذا، أولئك الذين ينعتونهم بالمزعجين.
إنك لا
تجانب الواقع إذا ما اعتبرت أن الصحافة اليوم تنتهج الانتظارية: انتظار الحدث
لتقوم بوصفه، انتظار السب بين السياسيين لنقله، انتظار الدعوات للتغطيات، انتظار
الإشارات لتكون وسيلة لتصفية الحسابات بين الجهات، انتظار المس بانتماءها السياسي للهجوم و الدفاع، انتظار التعاليق الفايسبوكية
لتجميعها على شكل مقال، هي صحافة لا تخلق الحدث بل تكتفي بالوصف دون تقييم أو نقد.
رفض علي أنوزلا أن يضع قلمه في تلك الخانة
البئيسة، و هو من الأقلام القليلة التي تضطرك لحمل مقصك للإحتفاظ بمقالته على شكل
قصاصة من خلال تجربة الجريدة الأولى أو تضطر لطبعها من خلال التجربة
الالكترونية" موقع لكم". قلم علي أنوزلا أزعج الكثيرين داخل الأوساط
السياسية و الصحافية، في زمن انقرضت فيه الأقلام المزعجة.
اختار
علي أنوزلا معركة حرية التعبير و الرأي. المعركة التي لم تعرف أي هدنة، رافضا
الانخراط في التكتل الذي يتحدث اليوم بطريقة إسهالية عن التحول الديموقراطي الكبير
الذي نعيشه في المغرب، معبرا عن رأيه في كل الملفات، حتى تلك التي يقال أنها ذات طابع
تخصصي و احترافي كالسياسة الخارجية. هنا تجدر الإشارة إلى المقال الذي أزعج
الكثيرين و الذي طرح من خلاله تساؤلات حول أسباب الخوف من توسيع صلاحيات بعثة
المينورسو في الصحراء لتشمل مراقبة حقوق
الإنسان، كما انتقد في المقال نفسه
الطريقة التي يتم بها تدبير ملف الصحراء. اتهم حينها أنوزلا بالخروج عن الإجماع
الوطني، كما شكك الكثيرون في وطنيته. أقلام الخانة البئيسة يستغلون الفرصة اليوم
من أجل الانتقام لفشلهم، خاصة الأقلام صاحبة الانتماء السياسي التي سمحت لها كراسي
السلطة بإلقاء البيانات المنددة بقلم جريء أقلام شعارها الدائم" متقيش
مصالحي".